الفاتح سات المدير العام
عدد المساهمات : 358 تاريخ التسجيل : 20/06/2011 العمر : 43
| موضوع: الصحافة السودانية الأحد يونيو 17, 2012 1:28 am | |
| الصحافة السودانية
وأبجديات الرؤية المهنية
.. العمل الصحفي ليس مجرد هواية تقوم على المزاجية والهوى الشخصي ، ولكن العمل الصحفي في مفهومه الصحيح ، أصبح اليوم مهنة معقدة ذات رسالة وهدف ، وتقوم على قواعد وأسس بعيداً عن المزاجية والارتجال والاجتهادات الشخصية . ومما لا شك فيه أن مهنة العمل الصحفي اليوم تحكمها الأبجديات التي يتعلمها الممارس لهذه المهنة ، سواء على مقعد الدرس والتحصيل العلمي في الجامعات المتخصصة ، أم على محك التجربة والممارسة العلمية في الميدان الواقعي ، وعندما يفتقر العمل الصحفي المهني إلي هذه الأبجديات فإنه يفقد احترامه ومصداقيته . ولا شك أن ذلك يؤثر تأثيراً سلبياً على العلاقة بين الصحفي والمتلقي الذي تسعى الصحافة إلي الوصول إليه والتفاعل معه والتأثير فيه . والمتأمل في واقع أغلب صحافتنا السودانية يجد أنه كثيراً ما تغيب هذه الأبجديات أو بعضها في ميدان الممارسة الصحفية ، مما يوقع القارىء السوداني في حيرة وقلق ويجعله يبتعد عن صحافته ويعيش في غربة معها . وقد يصل الأمر إلي حد فقدان القارىء الثقة فيما تقدمه هذه الصحافة ، وبذلك تفقد عنصراً هاماً من عناصر نجاحها وهو عنصر المصداقية . وحتى لا نتهم بالتجريد والتنظير لنأخذ أمثلة واقعية نبرهن بها على ما ندعي : إن من أولى أبجديات الصحافة التي يتعلمها الصحفي الممتهن أن الخبر الصحفي لا أهمية له إلا بقدر صلته بالقارىء ، وتلبيته لحاجاته وتعلقه بواقعه وظروفه ومشكلاته . إن كثيراً مما ينشر في هذه الصحافة لا يعبر عن الاهتمامات الحقيقية لجمهور القراء ، بل إننا نجد في كثير من الأحيان أن الصحافة السودانية تنشر أخباراً تصطدم مع قيم القراء وسلم أوَّلياتهم . فمثلاً نشرت إحدى الصحف اليومية السودانية على صفحتها الأولى خبراً أوردته إحدى الوكالات الأجنبية عن خلافات زوجية بين ممثلة عالمية مشهورة وزوجها . والخبر – على تفاهته – يستند إلي تخرصات مخبر صحفي شاهد الممثلة المشهورة خارجة من منزلها متجهمة الوجه ، فاستوحى المخبر من ذلك وجود خلافات زوجية بين الاثنين . ونشر هذا الخبر في صحيفة سودانية وعلى الصفحة الأولى ، فضلاً عن أنه لا يراعي صلة الحدث بالقارىء ، فهو يصادم قيمة اجتماعية في عدم المساس بالحياة الشخصية للأفراد وحرمة التجسس والحكم بالظن والتوهم . أما المثل الثاني فنستقيه من طريقة حصول المخبر الصحفي على الخبر وجهده الذاتي في الحصول عليه ومتابعته وخدمته . لقد تعلمنا أن أبجديات العمل الصحفي أن يسعي المخبر أو الصحفي إلي الخبر ، لا أن ينتظر الخبر ليصل إليه جاهزاً معلباً ، سواء من وكالات الأنباء المحلية أو الأجنبية ، أو من مكاتب العلاقات العامة في الوزارات أو الشركات ، أو من طرق شخصية بعضها شريف وبعضها الآخر فيه امتهان لرسالة الصحافة ودورها الرائد الموجه في المجتمع . إن نظرة فاحصة إلي صحافتنا السودانية تدلنا على أن هذه الأبجدية تكاد تكون شبه غائبة في الممارسة الواقعية ، كما أن العمل الصحفي في معظمه عمل مكتبي معزول عن حركة الحياة والواقع . وينطبق هذا على القضايا المحلية عناية الصحافة إلا بقدر محدود ، ولا تحظي إلا بخدمة شحيحة ومتابعة مبتسرة تبعاً للنفس الضيق والمستعجل للعاملين في الصحافة . وهم في معظمهم من الهواة والمتعاونين الذين يعدون العمل الصحفي أمراً ثانوياً يحققون عن طريقه مصالح شخصية لا أكثر . إن مشكلة غياب العديد من أبجديات العمل الصحفي في صحافتنا السودانية مردها إلي عوامل عديدة ، من أهمها الاعتماد شبه التام على المصادر الثانوية في الحصول على الخبر والمادة الصحفية من وكالات أجنبية ووسائل قد لا تدرك طبيعة العمل الصحفي ورسالته . ومن تلك العوامل أيضاً غياب الرؤية المهنية الواضحة للعمل الصحفي ورسالته لدى المؤسسات الصحفية والقيادات التي توجه هذه المؤسسات . إذ إنها . في معظمها . تبحث عن الأسهل والأيسر والأقل تكلفة ، فهي تنظر إلي الصحافة نظرة تجارية أكثر من أنها رسالة ومهنة ذات مسؤولية اجتماعية . كما أن غياب المعرفة الحقيقية بالقارىء المتلقي للمادة الصحفية ، وفقدان الدراسات الميدانية التي تكشف عن اهتمامات القارىء وتوجهاته يؤدي إلي استمرار حالة ( السلق والفبركة ) الصحفية التي يتسم بها كثير من الأعمال الصحفية السودانية . ويبقى أخيراً عامل هام ، وهو افتقار الساحة الصحفية إلي صحفيين مبدعين يحملون هم الرسالة الصحفية ويعشقونه ، ويعرقون من أجله ويكافحون ويناضلون في سبيل أن يحصلوا على الخبر ، وأن يتابعوه ويخدموه ليقدموه بعد ذلك إلي القاريء المتلهف في طبق شهي تفوح منه رائحة العناء والتعب . إننا إذا أردنا للعمل الصحفي في صحافتنا السودانية أن يرتقي ويتطور فلا بد لنا من أن نعيد إليه أبجدياته التي لا غنى عنها ، وحينئذ يحق لنا أن نقول إن لدينا عملاً صحفياً حقيقياً يحقق رسالته في المجتمع بتنويره وخدمته وحفزه إلي التطلع نحو المستقبل .
| |
|