موغلٌ في الغربة حدّ اليتيم

-
موغلٌ في الغربة حدّ اليتيم

1 –

.. حالماً بأنهار ٍ لا تجف.. ووطن ٍ لا يغيب.. وحكام ٍ لا يدمنون القمَع وإدارة السجون .. وكلماتٍ لا تمارسُ العهَر تكسباً وارتزاقاً .. وشعراء لا يطبعون شفاههم على نعال السلطان ..!! حالماً بأمهاتٍ لا يمتن من القهر ِ انتظاراً لأبنائهن الغائبين ..!! وأطفال لا تشيخ نبضاتُ طفولتهم حتى الخمسين..!! وشبان ٍ لا يدفعونَ زهراتِ أعمارهم .. ثمناً لشهوات ٍ مجنونة َ..!! حالماً بوطن ٍ مستحيل ..!!

2 –

واقفاً على بوابات الحلم .. أقرعُ أجراسَ الذكريات فلا يجيبني أحد ..!! أصرخ ملءَ حزني .. فلا يسمعني أحد !! أنادي الذين أعرفهم بأسمائهم واحداً .. واحداً .. ولا مجيب ..!! تبتلعني الأمواجُ القادمة من أقصى الحزن .. وتقتلعني العواصفُ المتطاولة إلي الأعماق .. فأغرقُ في دوامةِ الحنين الجارف ... إلي ألق ِ العيون ِ السود .. والجدائل ِ المعلقةِ في أطراف روحي!!

3 –

أدخلُ غاباتٍ تكتظُ بالمتاهةِ والنسيان .. تنتامي فيها أشجارٌ لا تُعطي ثمراً .. ولا تصنع ظلاً .. ولا تؤوى عصفوراً ..! أبحثُ عن شبرٍ أضُع فيه قدمي المتعبة من الدوران ، في الدهاليز التي لا تنتهي في مكان ٍ .. ولا تبدأ من مكان ..!! تلك الأطيافُ النائية في أقصى خلجاتِ الروح ِ .. تحاصُر أشواقي .. بأناشيَد .. وتراتيلَ .. وتمتمات .. فلا أملكُ إلاّ الذوبانَ في إيقاعها الشجي .. مغروراً برائحة المطر ِ الهاطل ِ بذكراهم ..!!

4 –
في طرقات ذلك الذي كان أسمه (.......).. وفي دوامات ِ المنفى .. كنتً أقفُ ويداي منارتان ِ تشيُر للراحلين عبر بواباتِ الوداع .. والقلبُ يخفقُ بأسمائهم وهم يعبرون إلي عوالم أخرى .. على صهيل الموتِ النامي ثمراً من أعوادِ المشانق .. وإلي أقبيَة العفن ِ والنسيان من بيوت الأشباح أو وراء قضبان الحقدِ والضغينة .. أو عبرَ أرصفة التيهِ والضياع إلي دنيا الله التي ازدحمت بالمنافي .. وحيث تغيبُ صورهم .. وتنقطعُ أخبارهم .. يتحولون إلي أشباح ٍ تنزف رعباً ليلياً .. ويصبح مجردُ ذكراهم نهراً من دموع ٍ وحنين ..!!

5 –

وهمٌ كبيرُ .. حكايةُ الوطن ِ الثاني ..!! فليس للقلب ِ إلاّ وطنٌ واحد .. وما سواه .. قبرٌ .. أو سجن .. أو منفى .. أو ضيافة في أرقى الحالات !!
ويبقى الشاعرُ مربوطاً إلي وطنهِ بمشيمةِ الشعر ِ والشوق .. التي تمده برائحة الطفولة ِ القادمةِ من أعماق العمر .. والوطن..
أيتَها السنواتُ العابقُة بأريج أمي .. والنخلةِ اليتيمةِ في حديقةِ بيتنا .. وشجيرات النيم .. والهجليج .. الليمون .. وأصوات أخواتي وأخواني .. هل من عودة لكل ذلك ..؟!
هذا الماثل أمامكم .. قصيدةٌ صنعها النفي الألأم .. بلا وزن ٍ ولا قافيةٍ .. ولا حتى كلمات .. !! ها أنا الآن بقايا هيكل من حنين .. مؤطر ٍ بنقيع الحزن ِ والذكريات ! موغلٌّ في الغربة حدَّ اليتم ..! أزرعُ زبالة الأيام الباقية ِ برياحين الأحلام وعرائس الطفولةِ ..
باحثاً عن وطن ٍ لأولادي الصغار .. فكم يرُعبني أن أغادرهم .. بلا ظل نخلة ..! أو دفء هوية ..!! أو بضعةِ أشبار في هذه الأرض العريضةِ يُقال لها وطن ..!!
آهٍ .. أيها الوطن ..!!