يتنفَّسُ غربتَهُ فوقَ رصيفِ المدينة ِ
يبحثُ عن وجه ٍ يشبُهُ في الزحامْ
يتناثرُ مثل دخان القرَى
وحينَ يجيءُ المساءُ
يشعلُ روحَه شمعة ً
تطفئها الريحُ
يتعرى مثل منارةٍ مهجورةٍ
ويتشطى كزجاج ٍ مكسورْ
وعند أول ِ زاويةٍ مظلمةٍ
يلملمُ شظاياهُ
يحضنُ رأسَه بيديهِ المتعبتنْ
ثم يجهشُ بالبكاءْ !!!
.. وتمتد بك المسافة , وتبتعد في الغربة والسفر , لكنك لن تجد في كل خطوة , غير خيوط الشمس تشرق من بلادك الحبيبة , وصدى , عندك محبة الوطن ومواويل الوفاء , واصوات تأتيك من البعيد القريب , أن واحة السودان هي الأكبر , وأن مساحاتها هي الأوسع , لأنها تكون حيثما تكون , وأن الشعب يبقى في كل مكان هو الهوية , والرصيد الأكبر لكل نجاح ...
ياأيها الوطن المدثر بسنابل العطاء .. وعلامات النهوض تلون فصولك بساطاً أخضر أضاء مساحات الوطن شواهَد خالدةً على عظمة البناء والإعمار , توزعت على مدن وقرى أرض الوطن كلوحة جملية وقد تكاملت براعم نموها رمزاً للبقاء ومنارة تهتدي بها أجيالنا الصاعدة في مسيرة الحاضر والمستقبل .
. . في معبد هندي كانت دقات الأوتار , تناغي القلوب وتحاكيها , وكانت كل ترتيلة صوت , تستقر في الأعماق , انشودة مفضلة للنفوس في محرابها الذي فيه تستريح .. وأمام بركة ( الماء المقدس ) تمنيت جرعة من ماء زمزم , وعشت مع حديث الروح , اسرح فيه وأطوف من خلاله مع رهبة الأيمان ...
جارتنا:
تعيشُ في جوارحي
مواسمُ الحصادْ
صوتُ أبي يوقظنُا في الليلْ
وجارةٌ بعثرها الزمانُ
مثلَ غيمةٍ
تقسَّم الرغيفَ في مرارةٍ
وتحبسُ الدموعْ
لكنها لوسُئلتْ عن حِالها
تقولْ
إننّا بألفِ خيرْ!!
وفي مساءٍ ممطر ٍ حزينْ
تجّمعَ الجيرانُ حولَ كوخِها
واسودَّتِ السماءْ
وعندها تساقطتْ لآليءُ المطرْ !!!
.. وفي الغربة هنا تشغلنا وتسحقنا هموم العمل اليومية , ومشكلاته التي لا تنتهي , وتزاحم أفكارنا تلك التي تراها آمالنا وأحلامنا , وبين هذه وتلك تتشابك الغابة من حولنا وتذهب الرؤية في ضباب معتم يصعب فيه التمييز والتمتع بما حققناه وسط كل تلك المتاعب والهموم . ولكن عندما نكون بعيدا ً عن الوطن , تتلاشى تلك الضبابية المفترضة , وتظهر لنا حقائق الوطن الكبيرة والعظيمة والتي لامثيل لها حقاً .. وتبدو الهموم التي تشغلنا جديرة بذلك التعب وتلك المعاناة , وكم هو إستحقاق تزاحم الأعمال وتدافع الزمن نعمة تغذي فينا رغبة الحياة الكريمة والسعادة المفعمة بالرضا الداخلي عن كل ما تحقق في هذا الوطن الأسطورة .
وليس مبالغة القول أن من يثقل ساعده وكتفه باحمال الوطن , لا يمكن أن يكون قلبه عارياً من الشوق إلي الأهل الذين يكدحون ويبنون وينحتون طريق المجد .. فالوطن لا يمكن أن نراه بكل مهابته إلاّ بالصورة الكاملة التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي نعيشها ليل نهار .
آه أيها الوطن العظيم .. كم أحبك .
وعدٌ قديم:
أتذكر وعدها ( أمنه)
أأعلن ُ عن مراهقتي لأُرجع شعرها الأَسودْ ؟!
وبَّحة َ صوتها المفُردْ ؟!
أأهتف في رماد الغربة الثلجيَّ أنّي لم أزل عاشق
وأني لم أزل أحلمْ
بطلعةِ وجهها النوريَّ والكفين والمبسمْ
وأنْ ما راقني أبداً كسَمْت ِ جبينها الأَسمر
أَتذكر وعدها أمنه ؟
مضت عشرون , بل أكثر
ولكن لم أزل للأن تحت جدائل النخلَّ
أرقبُ خطوها الأخضر .
رحيل:
.. تحضرني , وأنا منقوع في كآبة ثلجية , مقولة حكيم يوناني قديم
الموت هو الروتين الوحيد الذي لا يطرأ عليه أي تعديل ! ).